السايبركوندريا(Cyberchondria) هل يُعقل أن يكون سؤال “دكتور غوغل” عند كل عرضٍ نشعر به مرضًا بحدّ ذاته؟ أم أنها مجرد عادة اكتسبناها مع الوقت حتى صارت جزءًا من روتيننا اليومي في عصر الإنترنت، بات من السهل جدًا لأي شخص أن يبحث عن أعراضه الصحية أو ما يشعر به في الجسد عبر محرّكات البحث لكن في بعض الحالات، يمكن أن تتحوّل هذه العادة إلى ما يُعرف بـ السايبركوندريا — أي القلق المفرط من الصحة نتيجة البحث المفرط عبر الإنترنت . يختلط الأمر بين الفضول الصحي المفيد، وبين الهوس والقلق الزائد الذي قد يضر أكثر مما ينفع.في مقالنا هذا سنناقش :
١ – ماذا تعني هدذه الظاهرة؟ ٢- أسباب انتشار هذه الظاهرة. ٣- أعراض هذه الظاهرة. ٤ – متى أقول اني مصاب بالسايبروكوندريا؟ ٥ – هل تحتاج لعلاج؟ ٦- كيف اجعل دكتور غوغل تحت السيطرة؟ ٧ – ماذا يمكنني فعله حيالها ومتى أزور طبيباً؟ ٨- أسئلةً شائعة. 9- المصادر والمراجع
1- ماذا تعني السايبركوندريا؟
السايبركوندريا هي مصطلح يُركّب من كلمتي “سايبر” (أي متعلق بالإنترنت) و”كوندريا” (مشتق من الهوس بالمرض أو القلق الصحي). ويُستخدم لوصف حالة يؤدي فيها البحث المستمر والمتكرر عن معلومات طبية أو أعراض عبر الإنترنت إلى زيادة القلق حول المرض أو الصحة. أي بعبارة ٍأبسط: شخص يشعر بعرض بسيط مثل صداع أو تعب، فيبدأ بالبحث في الإنترنت: “صداع، ورم في الدماغ؟”، ثم يقرأ عن أمراض نادرة، ويبدأ القلق يزداد، ربما لفترات طويلة، بالرغم من أن الأطباء لم يشخّصوا شيئًا خطيرًا. من الناحية البحثية، يعتبر بعض الباحثين أن السايبركوندريا ظاهرة تميز نفسها عن القلق الصحي التقليدي (Health Anxiety) أو الهياج المرضي (Hypochondriasis)، لكنها غالبًا مرتبطة بها أو تتداخل معها.
2- أسباب انتشار هذه الظاهرة
السايبركوندريا ليست مجرد مسألة “فضول زائد” فحسب، بل هناك عوامل نفسية وسلوكية واجتماعية تُسهِم في ظهورها: – القلق الصحي (Health Anxiety): الأشخاص الذين لديهم ميول للقلق تجاه صحتهم هم أكثر عرضة لأن يصبح بحثهم عبر الإنترنت مفرطًا ويثير مزيدًا من القلق. – عدم تحمل الغموض (Intolerance of Uncertainty): بعض الأفراد لا يحتملون أن يكونوا غير متأكدين من حالتهم الصحية، فيبحثون بحثًا مفرطًا حتى يطمئنوا، لكن هذا في كثير من الحالات يفاقم القلق. – الميتاكوجنيشن (المعتقدات حول الأفكار): وهو الاعتقاد بأن الأفكار غير مسيطَر عليها أو غير قابلة للتحكم، مما يدفع الشخص إلى السعي للحصول على طمأنينة عبر الإنترنت. – سهولة الوصول إلى المعلومات الصحية عبر الإنترنت: هناك وفرة هائلة من المواقع الطبية، المنتديات، التطبيقات، ووسائل التواصل التي تنشر معلومات طبية سواء موثوقة أو غير موثوقة، مما يسهل الشروع في البحث. – تزايد الأزمات الصحية مثل جائحة كوفيد-19: حيث ازداد التوجه إلى البحث عن الأعراض والمعلومات الصحية، وزادت الشكوك والخوف لدى الكثيرين. – مستوى الثقافة الصحية (Health Literacy): إذا كان الشخص ليس لديه كفاية لفهم المعلومات الصحية وتحليلها، قد يفسّرها تفسيرًا كارثيًا، مما يدفع إلى القلق. دراسات وجدت أن ضعف الثقافة الصحية يزيد من السايبركوندريا. – شعور بعدم الثقة في الأطباء أو النظام الصحي: البعض يلجأ إلى الإنترنت لأنه لا يثق بما يقال له طبيًا، أو يرغب في مقارنة أكثر مما يقول الطبيب.
هذه العوامل قد تتداخل مع بعضها. مثلاً، شخص لديه قلق صحي ومعتقدات ميتاكوجنيتيفية سلبية، ومع انخفاض الثقافة الصحية، قد يكون الأكثر عرضة لتطوير السايبركوندريا.
3- أعراض هذه الظاهرة
إليك أبرز المؤشرات أو الأعراض التي قد تدل على أن الشخص يعاني من السايبركوندريا: 1- كثرة البحث على الإنترنت عن أعراض صحية أو أمراض، حتى لأعراض بسيطة أو عامة. 2- استمرار البحث لفترات طويلة، أو في أوقات غير مناسبة (بين الليل أو قبل النوم). 3- بعد البحث، لا يشعر الشخص بالطمأنينة، بل بالعكس، قد يزداد القلق. 4- انتقاء مواقع طبية مرعبة أو تنقل احتمالات المرض الخطير أولًا. 5- التوقف عن النشاطات اليومية أو التركيز بسبب الانشغال بالتفكير الصحي. 6- مقارنة الأعراض بشكل مفرط بين الأسباب العادية والنادرة. 7- طلب الطمأنينة مرارًا — مثل استشارة أطباء أو التحقق من المصادر الطبية — لكن التحقق لا يمنح راحة مستدامة. 8- التأثر المزاجي: شعور بالخوف، التوتر، القلق، ربما الاكتئاب عند بعض الأشخاص. 9- قد يرافقها الأعراض الجسدية الناتجة من التوتر مثل الأرق، الشد العضلي، اضطراب في النوم. 10 – تكرار زيارة الأطباء أو طلب فحوصات كثيرة (أحيانًا غير مبررة).
يجدر التنويه أن ليس كل بحث صحي عبر الإنترنت يدل على السايبركوندريا.،ما يميّزه هو أن البحث مفرط، ويثير القلق بدل أن يخففه.
4- متى أقول إنني مصاب بالسايبركوندريا؟
لا يوجد حتى الآن تشخيص رسمي في الدليل التشخيصي للأمراض النفسية يُسمّى “السايبركوندريا” بذاته، لكن في الأوساط الأكاديمية تُستخدم مقاييس مثل CSS لقياس شدة السايبركوندريا. بشكل عملي، يمكن القول إنك تعاني من السايبركوندريا إذا: 1- أصبح البحث الصحي عبر الإنترنت عادة يومية أو شبه يومية. 2- تشعر أن البحث لا يُطمئنك، بل يزيد القلق أو الهلع. 3- يؤثر هذا السلوك على حياتك اليومية أو قدرتك على التركيز. 4- حتى بعد زيارة الطبيب أو الحصول على رأي طبي، يستمر القلق أو العودة إلى البحث. 5- تطلب الطمأنينة مرارًا، وتبحث عن الأعراض رغم تكرار الاطمئنان. إذا توافرت هذه المعايير، فالأرجح أنك تعاني من شكل من السايبركوندريا.
5- هل تحتاج لعلاج؟
لا كل من يمارس البحث الصحي عبر الإنترنت يحتاج علاجًا، لكن إذا كانت السايبركوندريا تؤثر سلبًا على حياتك ( مثل تعطيل النوم، التوتر المستمر، التأثير على الأداء أو العلاقات ) فهي تستحق التدخل
التدخل المبكر يساعد على منع تفاقمها إلى اضطرابات قلق أو اكتئاب مصاحبة.
العلاج غالبًا يرتبط بالعلاجات النفسية – خاصة العلاج السلوكي المعرفي والممارسات التي تركز على تغيير الأفكار المبالغ فيها والتحكّم في السلوك. أحيانًا قد يُستخدم دواء مضاد للقلق أو الاكتئاب إذا كان هناك اضطراب قلق أو اكتئاب مصاحب، لكن هذا يتطلب تقييمًا من طبيب نفسي.
6- كيف يمكننا جعل دكتور غوغل تحت السيطرة؟
أي بمعنى، كيف أُقلل من تأثير البحث المفرط عبر الإنترنت؟
إليك بعض الاستراتيجيات العملية: – ضع حدودًا زمنية للبحث الصحي: مثلاً أن تمنح نفسك مدة معينة (١٠–١٥دقيقة)، ولا تتجاوزها. – خصص وقتًا معينًا يوميًا إذا لزم الأمر، ولا تبحث بشكل فوري عند ظهور أي عرض. – استخدم مصادر طبية موثوقة فقط: مثل المواقع الرسمية (وزارات الصحة، مراكز طبية معروفة)، وتجنّب المنتديات غير الموثوقة أو المواقع التي تروّج لـ “حالات نادرة” كمحتوى رئيسي. – تعلّم كيفية تقييم المعلومات الصحية: افهم مفهومي “الاحتمال” و”نسبة الحدوث”؛ ليس كل عرض يدل على مرض خطير. – حاول أن تكتب ما يجهلك بدل البحث فورًا: حدّد سؤالًا واحدًا كل مرة، ثم ركّز على الإجابة من مصدر واحد موثوق. – مارس “تأخير البحث”: إذا خطر لك البحث فورًا عند الشعور بشيء جسدي، قل لنفسك “سأنتظر ساعة وسأرى إذا ما زال الشعور مستمراً، ثم أبحث إذا لزم الأمر.” – استخدم تطبيقات أو أدوات رقابة: بعض التطبيقات تسمح لك بحظر أو تقييد المواقع أثناء فترات معينة. – مارس الانشغال بأنشطة مهدئة: مثل القراءة، المشي، التأمل أو الاستماع إلى موسيقى أو تمارين التنفس لتخفيف القلق قبل اللجوء للبحث. – اطلب الدعم: أخبر صديقًا أو شخصًا تثق به أنك تريد الحدّ من هذه العادة، ليذكرك أو يساندك عندما تبدأ بالبحث المفرط. – تعلم استراتيجيات إدارة القلق: مثل الكتابة، إعادة صياغة الأفكار، تقنية “مراقب الأفكار” (أي ملاحظة الفكرة دون اتخاذها على محمل الجد). – حدّد سياسات للتعامل مع نتائج البحث: مثلاً أنك لا تقوم بـ “تقصي كل النتائج” أو لا تقرأ قائمة الأمراض النادرة أولًا.
هذه الاستراتيجيات يمكن أن تقلل من سيطرة “غوغل” على قلقك الصحي.
– ما يمكن عمله بنفسك: 1- اتبع الاستراتيجيات المذكورة أعلاه لجعل البحث تحت السيطرة. 2- سجّل ملاحظات حول الأوقات التي تأتي فيها الرغبة في البحث، وماذا قبلها من مشاعر أو أحداث — هذا يساعدك أن تكتشف المحفزات. 3- درّب نفسك على “التعامل مع الغموض” — تقبّل أن ليس كل عرض يحتاج تفسيرًا فورًا. 4- اعمل على تحسين الثقافة الصحية لديك: اقرأ كتبًا طبية مبسطة أو دورات موثوقة لكي تفهم كيف يعمل الجسم وكيف تتكوّن الأمراض. 5- مارس الاسترخاء، تمارين التنفّس، التأمل، أو أي نشاط مهدئ يساعد على تخفيف القلق الجسدي والنفسي. 6- إذا وجدت نفسك تتراجع كثيرًا أو تنشغل بشكل مفرط، يمكن استخدام تقنية العلاج الذاتي أو التوجيه النفسي.
– متى تزور الطبيب:
عليك زيارة طبيب مختص (طبيب نفسي أو طبيب عام) إذا: 1- القلق الصحي أو السايبركوندريا تؤثر بشكل ملحوظ على حياتك اليومية (العمل، النوم، العلاقات). 2- تكرار الذهاب إلى الأطباء أو طلب الفحوصات غير المبررة. 3- الأعراض الجسدية لا تُفسَّر أو تبعث القلق، والطبيب قد طلب فحصًا لكن القلق مستمر. 4- إذا ظهر اكتئاب مصاحب، أو قلق عام شديد. 5- إذا فشلت استراتيجياتك الذاتية في التخفيف، أو زاد الوضع سوءًا.
الطبيب أو المعالج النفسي يمكن أن يقيّم حالتك، ويقرر ما إذا كنت بحاجة إلى علاج نفسي أو دعم دوائي أو مزيج بينهما.
8- أسئلتكم الشائعة وإجابتها
س: هل كل من يبحث عن أعراضه في الإنترنت يعاني من السايبركوندريا؟ ج: لا، كثير من الناس يستخدمون الإنترنت كأداة صحية للتثقيف أو التعرف على العلاجات المحتملة. السايبركوندريا تظهر عندما البحث يصبح مفرطًا ومصدراً للقلق بدلاً من الطمأنينة.
س: هل هناك فرق بين السايبركوندريا والهوس المرضي (Hypochondriasis)؟ ج: نعم، السايبركوندريا تركز على البحث عبر الإنترنت كآلية للقلق الصحي، بينما الهوس المرضي قد لا يتضمّن بالضرورة استخدام الإنترنت. لكن هناك تداخل كبير، والعديد من الدراسات ترى أن السايبركوندريا جزء أو امتداد للهوس المرضي أو القلق الصحي.
س: هل يمكن الشفاء تمامًا؟ ج: قد لا يُشفي الشخص بشكل فوري من كل القلق، لكن بالعلاج والدعم يمكن تخفيف الأعراض كثيرًا والوصول إلى حالة يمكن فيها استخدام الإنترنت بشكل صحي دون أن يهيمن على حياتك.
س: هل استخدام الإنترنت الصحي مُمنوع تمامًا؟ ج: ليس ممنوعًا، بل يجب استخدامه بحذر وبوعي، مع تحديد حدود واختيار المصادر الموثوقة.
س: هل تساعد الأدوية؟ ج: الأدوية قد تُستخدم إذا كان هناك اضطراب قلق أو اكتئاب مصاحب، لكن يفضل أن تُدمج مع العلاج النفسي.
س: هل هناك أدوات تقييم يمكنني استخدامها بنفسي؟ ج: نعم، مقياس Cyberchondria Severity Scale (CSS) يُستخدم في الدراسات لتقييم مدى الشدة، لكنه غالبًا يُستخدم في الأبحاث وليس في التشخيص الذاتي الرسمي.